RSS

5/20/2006

محاولات صبية



كثيرا ما أدهشتني تصريحات بعض الكتاب المتضمنة اعترافا بمحو أثار محاولاتهم الأدبية الأولى بسبب كونها مجرد خربشات صبية ومسودات لا أهمية لها.
وكم وددت أن اسمع ردهم عن بعض الاستفهامات كثيرا ما تتردد في خاطري.
فهل فكروا قبل اقدامهم على هذا الفعل سؤال ذاك الشاب الطموح أو الصبي الحالم الذي كنتموه رأيه فيما سهر الليالي الطوال لكتابته قبل أن تقبلوا على ارتكاب المجزرة؟
هل سألتم ذاك الباحث الموثق موقفه من المخطوطات المؤرخة للعملية الإبداعية و تطورها؟
هل طلبتم إذن القارئ الشغوف بإنتاجكم المتطلع لمعرفة كل ما يخصكم؟
أليس مثل هذا الإجراء محاولة لطمس حقيقة البداية التي لا يختلف اثنان في أهميتها في رسم المسار التطوري للعملية الإبداعية و إثبات أن التجريب الدائم و القراءة المستمرة و البحث الحثيث إلى جانب الموهبة طبعا يساهمون في رقي الكتابة و الحس الجمالي و النقدي.
فالكاتب الناجح لم يخلق في لحظة مدهشة و إنما من مسيرة طويلة في شعاب ملتوية كثيرة المنحدرات و العثرات
..

5/17/2006

طلاء تجريدي


أقيم معرض في مدينتي للوحات الزيتية جمع أعمال فنانين محليين. و كعادتي هرولت للتمتع بالخطوط و الألوان و الأحاسيس المتناثرة على جدران الأورقة
و كعادتي كلما مررت بلوحة حاولت استنطاقها بكل الأسئلة المتراسة في خاطري، فلا أبرحها ترتاح حتى تجيب على أكثرها على الرغم من أن بعض اللوحات المعروضة سبق و أن ردت باسراف فيما سبق
وبينما انا في تأملي أبادل الحوار مع لوحة زيتية تجريدية وقف بجانبي كهل يحاول بدوره فك اللغز أمامه ، موزعا ناظريه بين اللوحة وبيني
فالتفتت اليه مستجيبا لنداء الفضول. كان كهلا بسيطا في منظره ببذلة قديمة و نظارة سميكة و ذقن و سجارة منتصفة
:ابتسم في وجهي و سألني مغرزا ناظريه في عمق اللوحة
الألوان جميلة و متناسقة-
:فأشرت موافقا.. فأردف
في رأيك ما ثمن هذه الصورة-
:فقلت
لا أدري، صاحبها هناك و يمكنك مساومته إن أردت شراءها-
:فنظر إليه قائلا
لا أريد شراءها إنما أريد معرفة الثمن فقط-
:فقلت مستفسرا
ولما-
:فقال مبتسما
لأعرف إن كان هذا النوع من الصور يباع بأثمان مرتفعة فأصنع مثلها ما دمت مختصا في اللون وأتجار بها
:حك ذقنه وسحب جرعة دخان ساخن وأردف
أضن أنها لا تستلزم رأس مال كبير-
:فقلت وقد امتزجت في صوتي أجراس الحسرة والسخرية
لا يكفيك شراء قماش أبيض و حقيبة ألوان وفرشات وأن شئت حامل لوحات لتصبح فنانا تباع لوحاتك في المزاد العلني في باريس
:فقال هازا رأسه باندهاش
حقا لم أكن أعلم أن مثل هذا الخلط للألوان يباع في مزاد علني-
:فقلت
وبأثمان لا تعقل و بالدولار يا أخ-
سبحان الله-
جرب إذن وبما أنك طلاء محترف فمثل هذا المزج للألوان أمر سهل بنسبة لك.. جرب وسترى
:فقال وقد انشمرت شفتاه الصغيرتان عن نشوة اعتزاز غريبة
بل قادر على صنع أفضل منها-
وبما ستزوق لوحاتك بالألوان الزيتية أم بطلاء الجدران-
طبعا بألوان الطلاء فأنا لا أحسن استعمال غيره-
:فرتبت على كتفه وقلت مبتسما بحسرة
حضا موفقا ، ولا تنسى عرض لوحاتك حتى نتمتع بألوانها البهية ، و لما لا شراءها
فأومأ موافعا وقد حبست أنفاسه كحة مباغتة
تركته يسترجع أنفاسه وأنا أحاول إيجاد تبريرات لمثل هذا التفكير و مقنعا نفسي بصراحته و ابعاد كل احتمالات إدراج تصريحاته في خانة السخرية